بحث

خارطة الطريق بين السعودية والحوثيين: عامان من الغموض… وسلام مؤجل

عادل الشجاع

بحرالعرب:

 

بعد أكثر من سنتين من التسريبات والوعود والهدن الهشة، تظهر اليوم بنود خارطة الطريق بين السعودية وجماعة الحوثي إلى العلن، بعد أن ظلت حبيسة الأدراج، لا يعرف من صاغها ولا من عطلها ولا لماذا تأخر إعلانها كل هذا الوقت!.

 

السؤال البسيط الذي يطرحه كل يمني اليوم: من يتحمل مسؤولية عامين من الانتظار؟ ومن الذي قرر أن يترك اليمنيين معلقين بين حرب لا تشتعل وسلام لا يولد؟.

 

عامان من الصمت المريب

 

منذ نهاية عام 2022، حين بدأت الوساطة العمانية تجسر الهوة بين الرياض وصنعاء، شاع أن اتفاقا وشيكا سينهي الحرب، ويعيد صرف المرتبات، ويفتح الموانئ والمطارات، ويمهد لإعادة الإعمار، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ظلت البنود سرية، والمفاوضات “قيد التفاهم”، بينما اليمنيون يواجهون قسوة المعيشة وانهيار الخدمات وانسداد الأفق..

 

تأخر الإعلان عن الاتفاق لم يكن بلا سبب، فالسعودية أرادت سلاما ينهي التورط العسكري دون أن يلزمها بتعويضات أو التزامات مالية ضخمة، كما أرادت ضمانات أمنية على حدودها قبل أي التزام علني، فالتأجيل، إذن، كان وسيلة لإدارة الوقت وتخفيف الكلفة السياسية، لا لتحقيق السلام..

 

في المقابل، رأى الحوثيون في التأخير فرصة ذهبية لترسيخ سلطتهم في صنعاء ومناطق سيطرتهم، وفرض أنفسهم كسلطة أمر واقع، كل شهر يمر دون اتفاق رسمي كان يعني لهم مزيدا من السيطرة الإدارية والاقتصادية والعسكرية، ومزيدا من الضغط للحصول على اعتراف غير مباشر بهم كطرف ند للسعودية، لا كجماعة متمردة..

 

أما الحكومة الشرعية، فقد وجدت نفسها خارج دائرة الفعل، لم تكن جزءا من التفاهمات الحقيقية، بل طرفا يستدعى بعد اكتمال الاتفاقات، هذا التهميش أفقدها القدرة على فرض جدول زمني أو كشف البنود، لتصبح مجرد شاهد على تفاهمات تصاغ باسمها دون علمها الكامل بها!.

 

الأمم المتحدة والدول الكبرى لم تكن حريصة على كشف الوثيقة، لأنها تفضل الحفاظ على “عملية سياسية مفتوحة” تتيح لها الاستمرار في لعب دور الوسيط، دون تحمل عبء الفشل أو التنفيذ، وبذلك، كان التكتم الدولي جزءا من منظومة تأجيل السلام، لا وسيلة لدفعه إلى الأمام..

 

الخاسر الوحيد: الشعب

 

عامان من التكتم يعنيان عامين من الجوع، من الرواتب المجمدة لعشرة أعوام، من المستشفيات التي أغلقت أبوابها، ومن العائلات التي فقدت كل أمل، كان يمكن أن تصرف المرتبات، وتفتح الموانئ، وتتحرّك عجلة الحياة، لكن السياسة قررت أن تؤجل كل ذلك باسم “التفاهمات المستمرة”!.

 

النتيجة: اتفاق يولد مثقلا بانعدام الثقة

 

الآن وقد كشفت البنود أخيرا، فإن السؤال الأهم ليس فقط “ماذا تتضمن؟”، بل “لماذا أخفيت لعامين؟” و“هل من حق من تسببوا في التأخير أن يعلنوا أنفسهم صناع سلام؟”، فما أخفي عن الناس عامين لا يمكن أن يكون نقي النية، وما يؤجل بهذا الشكل لا يبشر بسلام حقيقي؟.

 

خاتمة: لا سلام بلا مصارحة

 

إن كشف خارطة الطريق بعد سنتين من التعتيم لا يعد إنجازا، بل اعترافا متأخرا بالتقصير، فالشعب اليمني لم يكن طرفا في المساومات، لكنه كان الضحية الكبرى لها..

 

وإذا كانت الأطراف صادقة فعلا في نيتها طي صفحة الحرب، فعليها اليوم أن تدعو بوضوح إلى عقد مؤتمر وطني يشمل جميع القوى السياسية اليمنية، بحضور مجلس التعاون الخليجي وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ومصر وعمان للإشراف على السلام وإعادة الإعمار ، أما الاكتفاء بالتصريحات الفضفاضة، فليس إلا استمرارا للخذلان باسم السلام. 

آخر الأخبار