بحث

تشخيص الدور السعودي في اليمن: بين الحسابات الأمنية وتآكل البوصلة الاستراتيجية

عادل الشجاع

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تحول الدور السعودي من عملية عسكرية محدودة الأهداف إلى تورط جيوسياسي طويل الأمد لا يبدو أن الرياض قادرة على إنهائه بسهولة، ومع مرور السنوات، بدأت تثار تساؤلات عميقة حول اتجاهات السياسة السعودية، وعلاقتها بالمليشيات، وصمتها المتكرر تجاه الدور الإماراتي في الجنوب!

هذا المقال يحاول استكشاف العوامل التي قد تفسر هذه المعضلات دون افتراض نوايا مسبقة، مع تحليل ما إذا كانت الفوضى تخدم فعلا مصالح السعودية أم تهدد أمنها القومي؟

  1. لماذا تدعم السعودية تشكيلات مسلحة مختلفة في اليمن؟

ليست السعودية اللاعب الوحيد الذي يتعامل مع المليشيات في اليمن، لكن تنوع القوى اليمنية وغياب مؤسسات دولة قوية دفع الرياض إلى أن تتورط في علاقات مع أطراف متعددة، وهذه أبرز أسباب ذلك:

أولا: غياب الشريك الموحد:

 ٠ لم تنجح السعودية خلال سنوات الحرب في إيجاد قوة مركزية يمنية موحدة يمكن الاعتماد عليها.

٠ الشرعية الرسمية تعاني من الضعف والانقسام، مما دفع السعودية للبحث عن بدائل محلية قادرة على الضبط الأمني على المدى القصير.

ثانيا: الحسابات ضد الحوثيين

 ٠ الرياض ترى الحوثيين كتهديد استراتيجي مرتبط بإيران.

 ٠ لذلك تعتمد على قوى مسلحة محلية لضبط مناطق معينة أو منع تمدد الحوثيين عندما يعجز الجيش النظامي.

ثالثا: عقلية إدارة الأزمة وليس حلها

 ٠ السياسة السعودية بدا أنها تقوم على إدارة الصراع أكثر من إنهائه، وهو ما يشجع على الاعتماد على أطراف غير رسمية يمكن التحكم بها أكثر من مؤسسات دولة مستقلة.

  1. لماذا تصمت السعودية عن الدور الإماراتي في الجنوب؟

الدور الإماراتي في الجنوب—بما فيه دعم المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام والنخب—وضع السعودية في حرج سياسي، لكن صمتها أو ليونتها تجاهه يمكن تفسيره بعدة اعتبارات:

أولاً: لأن التحالف ذاته أصبح مركز قوة مستقل

 ٠ منذ 2015، تشكلت علاقة تحالف عسكري غير متوازنة، حيث تمتلك الإمارات نفوذا على الأرض أقوى مما تمتلكه السعودية في بعض المناطق.

 ٠ أي صدام مباشر مع أبوظبي قد يؤدي إلى انشقاق التحالف وخلق مأزق أكبر للرياض..

ثانيا: تقاطع مصالح رغم التنافس

 ٠ السعودية والإمارات تختلفان في “شكل اليمن الذي تريدانه”، لكنهما تتفقان في تقليل نفوذ القوى السياسية التقليدية (خاصة الإسلام السياسي).

ثالثا: تجنب فتح جبهة خلاف جديدة

 ٠الرياض تخوض مفاوضات مع الحوثيين، وتتعامل مع ملفات إقليمية حساسة.

 ٠ لذلك قد تفضل تأجيل المواجهة مع الإمارات بدلا من إضافة تعقيد جديد.

  1. هل تريد السعودية بقاء اليمن بلا دولة؟

من غير الواقعي القول إن السعودية “تريد” يمنا بلا دولة، فذلك يتعارض مع مبادئ الأمن القومي، لكن سياساتها المتخبطة—وليس بالضرورة نواياها—قد أدت عمليا إلى إضعاف الدولة اليمنية.

لماذا لا يناسب السعودية انهيار اليمن؟

 1.يمن بلا دولة يعني:

 ٠ حدود رخوة

 ٠ تهريب سلاح ومخدرات وميليشيات

 ٠ موجات لجوء

 ٠ تصاعد نفوذ إيران شمالا

 ٠ فوضى قد تنتقل إلى الداخل السعودي.

 2.دولة يمنية مستقرة وقوية تمثل حزامًا أمنيًا طبيعيًا للسعودية، لذلك من مصلحتها البعيدة المدى وجود مؤسسات يمنية قادرة على السيطرة.

لكن المشكلة ليست في الهدف، بل في الأدوات

 ٠ الدعم غير المنسق لمليشيات متعددة.

 . غياب استراتيجية خروج.

 ٠ تضارب المصالح داخل التحالف.

 ٠ عدم الاستثمار في بناء مؤسسات يمنية مستقلة.

كل ذلك جعل السعودية أقرب إلى فاعل يخلق الفوضى دون قصد بسبب سوء إدارة الصراع.

  1. هل الفوضى تخدم استقرار السعودية؟

على المدى القصير، قد ترى السعودية أن تعدد القوى يمنع الحوثيين أو أي طرف آخر من السيطرة الكاملة، لكن على المدى الطويل، الفوضى تمثل تهديداً وجوديا:

 ٠ تؤدي إلى فراغات أمنية قابلة للاستغلال من الإرهاب والتهريب.

 . تمنح إيران فرصة لبناء نفوذ أكبر عبر الحوثيين.

 . تزيد التوترات على الحدود الجنوبية.

بالتالي، الفوضى لا تخدم السعودية استراتيجيا، إنما جاءت كنتيجة للاستراتيجية وليست هدفا لها.

  1. هل فقدت السعودية البوصلة في الملف اليمني؟

يمكن وصف الوضع السعودي بأنه ارتباك استراتيجي وليس فقدانا كاملاً للبوصلة.

أسباب الارتباك:

 1.طول أمد الحرب دون وجود سيناريو خروج.

 2.دور الإمارات غير المتوافق مع الرؤية السعودية.

 3.ضعف الحلفاء اليمنيين وتآكل الشرعية.

 4.تغير أولويات السعودية نحو التنمية الداخلية ورؤية 2030.

 5.غياب رؤية واضحة لشكل اليمن بعد الحرب:

دولة موحدة؟ فيدرالية؟ شمال وجنوب؟

الرياض لم تقدم نموذجا واضحا.

 

الخلاصة التشخيصية

 ٠ السعودية لا تستفيد من فوضى اليمن، لكنها تنتجها بحكم سياسات غير منسقة.

 ٠ دعم المليشيات جاء كحل مؤقت تحول إلى عبء دائم.

 ٠ صمتها تجاه الإمارات نابع من ميزان القوى داخل التحالف وليس من رضا كامل.

 ٠ اليمن بلا دولة يمثل تهديدا مباشرا للسعودية، لكن الرياض لم تنجح في بناء نموذج بديل.

 ٠ الملف اليمني خرج من نطاق السيطرة المباشرة للسعودية، وأصبح يحتاج إلى رؤية جديدة تماما تتجاوز مرحلة القتال بالوكالة ويحتاج إلى التعامل مع قوى جديدة لديها القدرة على استعادة القرار الوطني بما يخدم المصالح المشتركة للعلاقات بين الدول؟

آخر الأخبار