بحث

صراع مجاني… وحدود مصطنعة بين المخا وتعز

عادل الشجاع

لم يعد خافيا على أحد أن المشهد في الساحل الغربي وتعز تحول إلى مسرحية عبثية يتصارع أبطالها على النفوذ والمكاسب الصغيرة، بينما تتقدم الأزمة الوطنية نحو هاوية أعمق، فبدلا من توحيد الصفوف لمواجهة المشروع الحوثي الذي يلتهم الوطن محافظة تلو أخرى، انشغل طرفان يفترض أنهما من ذات “معسكر الشرعية” بصناعة حدود بينهما أشد صلابة من الحدود مع الحوثيين أنفسهم!

 مقاومة وطنية بلا مشروع وخصومة بلا معنى

المقاومة الوطنية في المخاء التي روج لها سابقا كذراع عسكري لاستعادة الدولة، تبدو اليوم وكأنها انكمشت إلى سلطة محلية تبحث عن اعتراف سياسي، انسحبت من مشروع التحرير الشامل، واكتفت بإدارة مدينة وميناء، وكأن المعركة انتهت عند آخر نقطة انتشار لهم، بينما الحوثي يتمدد شمالا وشرقا دون أن يرف لهم جفن!.

هذا الانكماش السياسي والعسكري حول "المشروع الوطني" إلى سلطة أمر واقع صغيرة تعيش على مظاهر القوة الإعلامية وتضخيم الإنجازات، في حين أن مشروع الجمهورية الذي يدعونه ينهار أمام أعينهم دون محاولة حقيقية لإنقاذه.

 الإصلاحيون في تعز… متحصنون داخل صراعهم القديم

أما الإصلاحيون في تعز فقد وقعوا في فخ مماثل. بدلا من قيادة جبهة مقاومة وطنية تليق بتضحيات المدينة، انغمسوا في شبكات مصالح وتسويات داخلية وصراعات نفوذ، حتى تحول هدفهم الأساسي من تحرير الحديدة وصنعاء إلى حماية ما تبقى لهم من نفوذ داخل تعز نفسها..

تحولت المدينة التي كانت رمزا للمقاومة إلى ساحة تنازع داخلي، تدار فيها السلطات بعقلية الغنيمة، لا بعقلية التحرير، فأصبح هم الإصلاحيين الحفاظ على ما بأيديهم، لا فتح معركة حقيقية مع الحوثي.

حدود يحرسونها بينهم… وحدود يتركونها للحوثي

المشهد الأكثر فجاجة هو أن الطرفين:
 يصنعان حدود توتر بينهما
 ويؤسسان خطاب كراهية بين أتباعهما
 ويوزعان الاتهامات والتخوين
 ويحمون خطوط التماس بينهم أكثر مما يحمونها مع الحوثيين.

حدود المخا وتعز أصبحت خطوطا حمراء يدافع عنها الطرفان وكأنهما دولتان متخاصمتان، بينما حدود مناطق الحوثيين في الحديدة وتعز ظلت ساكنة وهادئة، وكأن الخطر الحقيقي هو الطرف الآخر من معسكر الشرعية لا الميليشيا الانقلابية!.

 آلة دعاية تبث الكراهية وتقتل الوعي الوطني

لا يكتفي الطرفان بتثبيت الواقع المشوه على الأرض، بل يخوضان حربا نفسية وإعلامية شرسة:
 خطاب يحول المواطن إلى تابع وتحريض يزرع الكراهية وتحوير للحقائق وصناعة عدو وهمي باسم “الطرف المنافس”، بينما العدو الحقيقي يزداد قوة وتنظيما وتمددا..

خيانة الهدف الوطني وتفريط بالتضحيات

إن ما يجري هو إفلاس سياسي وأخلاقي، الطرفان تخليا عن الهدف الذي التف حوله الناس وقدموا من أجله دماءهم، فبدلا من تحرير الحديدة وصنعاء، أصبحوا يحرصون على السيطرة على شارع أو نقطة أمنية أو مكتب حكومي!

إن هذا العبث هو أكبر خدمة سياسية يمنحونها للحوثيين مجانا، دون أن يطلق هؤلاء رصاصة واحدة.

لا أعداء في صف الشرعية… إلا الشرعية نفسها

الصراع بين المخا وتعز ليس خلافا وطنيا، بل خلاف سلطات محلية صغيرة فقدت البوصلة الوطنية وتفرغت لمعارك جانبية، بينما يقترب الوطن من لحظة انهيار كاملة.

إن لم يدرك الطرفان أن معركتهما الحقيقية هي مع الحوثيين لا مع بعضهما، فإن التاريخ سيكتب أن تعز والمخاء ليست مجرد مدينة انقسمت على نفسها، بل كانت شاهدة على زمن سقطت فيه فكرة الجمهورية بسبب أبنائها قبل أعدائها!

آخر الأخبار