حوكمة من أجل الإنقاذ… دعوة لرئيس الحكومة لتحويل الوعود إلى برنامج إصلاح مكتوب
عادل الشجاع
تعيش اليمن مرحلة دقيقة تختبر فيها قدرة الدولة على استعادة حضورها، وفي خضم هذا المشهد المعقد يبرز رئيس الحكومة سالم بن بريك بخطاب إصلاحي لافت، يشدد فيه على ضرورة اختيار القيادات بمعايير مهنية صارمة، وتعزيز النزاهة، وضبط الإيرادات، وتقليص السفر الخارجي غير الضروري، وهي رسائل تعكس رغبة واضحة في وضع حد لمسار اختلالات تراكمت لسنوات وأرهقت مؤسسات الدولة وسمعتها..
إن حديث بن بريك أمام وزرائه حول أن مكافحة الفساد واجب وطني وأخلاقي هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ويستحق الدعم الشعبي والإعلامي، فالمعركة مع الفساد—بأنواعه المالية والإدارية—لن تحسم بخطابات أو نوايا، بل بإرادة سياسية مستمرة، وببناء منظومة شفافة تتكئ عليها الحكومة وتحاسب من خلالها..
لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في تشخيص المشكلة، بل في تحويل التوجه الإصلاحي إلى برنامج مكتوب، معلن، وملزم، برنامج يشكل مرجعا للحكومة، وأداة للرقابة الشعبية، ومصدرا لتوحيد الجهود في وجه مراكز النفوذ التي راكمت مصالحها في ظل الفوضى..
لماذا يحتاج اليمن إلى برنامج إصلاح مكتوب الآن؟
1.لأن الثقة تحتاج إلى أدلة
خطابات الإصلاح مهمة، لكن لا يمكن أن تبنى عليها ثقة من دون وثيقة رسمية تحدد الخطوات، والجداول الزمنية، ومسار التنفيذ .
2.لأن الإعلام والمجتمع المدني يحتاجان إطارا للعمل، حين يتحول الإصلاح إلى برنامج معلن، يصبح بإمكان الإعلاميين والناشطين متابعة التنفيذ، ودعم الإجراءات الصحيحة، والضغط على الجهات المقصرة .
3.لأن الشفافية تحصن الحكومة من الداخل، وجود برنامج مكتوب يقلل من قدرة مراكز النفوذ على الالتفاف على القرارات، ويمنح رئيس الحكومة أرضية صلبة لمواجهة أي مقاومة داخلية .
4.لأنه يمنح الوزراء بوصلــة واضحة فالوزارات المتباينة الأداء تحتاج إلى رؤية موحدة تلزم الجميع بمعايير الحوكمة والنزاهة والكفاءة..
ما المطلوب من رئيس الحكومة اليوم؟
المطلوب، إطلاق برنامج الإصلاح الوطني بصيغة مكتوبة، تتضمن:
أ. معايير شغل المناصب القيادية .
ب. آلية حوكمة الإيرادات والمصروفات .
ج. خطة إعادة الانتظام المؤسسي داخل عدن .
د. ضوابط السفر والتمثيل الخارجي .
و. جدولاً زمنياً شفافاً لنشر التقارير المالية .
ر. دعوة الإعلام والمجتمع المدني كشركاء لا كمتفرجين، عبر إشراكهم في مراقبة التنفيذ .
ز. تأسيس وحدة متابعة إصلاحات ترتبط مباشرة برئيس الحكومة، وتصدر تقارير ربع سنوية معلنة .
س. التمسك بمبدأ “لا حصانة للفساد” مهما كان مصدره أو موقعه..
ختاما: فرصة لا يجب أن تهدر
يمتلك سالم بن بريك خبرة إدارية واقتصادية تؤهله لقيادة إصلاحات حقيقية، لكن نجاحه لن يتحقق إلا إذا تحول مشروعه إلى وثيقة رسمية تلتزم بها حكومته، ويشارك المجتمع في مراقبتها. فاليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج اليمن إلى حكومة تعلن برنامجها بوضوح، وتضع معيارا جديداً للعمل العام: الشفافية أولاً… والمحاسبة دائما..
إن الرأي العام والإعلام والمجتمع المدني مستعدون ليكونوا سندا لرئيس الحكومة في معركة استعادة الدولة—لكنهم يحتاجون إلى خطة واضحة ليتمكنوا من الدفاع عنها..