بحث

ذكرى الجلاء الثامن والخمسين… حين انتصر اليمنيون للحرية وواجهوا الاحتلال بصلابة

عادل الشجاع

 

ذكرى الجلاء الثامن والخمسين… حين انتصر اليمنيون للحرية وواجهوا الاحتلال بصلابة

عادل الشجاع 

يحل علينا عيد الجلاء الثامن والخمسين، ذكرى خروج آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967، ذلك اليوم الذي انتصرت فيه إرادة الشعب على واحدة من أطول التجارب الاستعمارية في المنطقة، لقد قدم الثوار اليمنيون – رجالاً ونساء – نموذجا نادرا في الشجاعة والتضحية، حين حملوا على عاتقهم مهمة التحرير وانتزعوا استقلال بلدهم بدمائهم وإصرارهم وعزيمتهم الصلبة، كانت حركة التحرير آنذاك تعبيرا جماعيا عن وعي وطني لا يقبل الوصاية ولا يقبل التفريط بالسيادة..

لكن المفارقة المؤلمة أن بعض الأصوات الجنوبية التي تنتمي إلى جغرافيا ناضلت ضد الاحتلال يوما، باتت  اليوم  تصطف مع مشاريع خارجية لا تخدم مصلحة الجنوب ولا اليمن، وتشارك في صراعات تسفك فيها الدماء وتهدر فيها الكرامة، مقابل مكاسب ضيقة أو مواقع مؤقتة، ويعد هذا الاصطفاف تنكرا للتاريخ والهوية التي دفع ثمنها تضحيات جسام في معارك الاستقلال الأولى..

سياسات إقليمية متشابكة… ورؤية يمنية قلقة

 إن بعض السياسات الإقليمية، وعلى رأسها سياسة الإمارات في اليمن، تتدخل بطرق تؤثّر على وحدة البلاد واستقرارها، سواء عبر دعم قوى محلية متصارعة، أو عبر الانخراط في ترتيبات متعلقة بالموانئ والجزر ذات الحساسية الاقتصادية والجيوسياسية، هذا الدور الذي تقوم به الإمارات يعد جزءا من تنافسات إقليمية أوسع، تريد من خلاله استنزاف اليمن والسعودية معا كي تتمكن من قيادة المنطقة..

هذه القراءة – مهما اختلفت الآراء حولها، إلا أنها تعبر عن قلق حقيقي، فقد حولت الإمارات اليمن إلى مسرح لتصفية الحسابات، وإدارة الملفات اليمنية من منظور المكاسب الجغرافية والاستراتيجية وليس من منظور حق الشعب اليمني في الأمن والسيادة والتنمية..

رباعية الوصاية… وغياب القرار الوطني

وفي ظل تعقد المشهد، تتصدر ما يعرف بـ الدول الرباعية (السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، بريطانيا) دائرة التأثير في الملف اليمني، حيث تفرض إيقاعها على القرارات الكبرى، بينما يعاني الداخل اليمني من قيادة رسمية وسياسية منقسمة وضعيفة، فقدت القدرة – أو الرغبة – في الدفاع عن مشروع وطني جامع!.

لقد وصل الكثير من اليمنيين إلى قناعة بأن مجلس القيادة الرئاسي والأحزاب والمكونات السياسية لم تعد تعبر عن تطلعات الناس، بل انخرطت في حسابات تحالفات ومعادلات خارجية، حتى أصبح القرار الوطني مرتهنا لرغبات اللاعبين الإقليميين والدوليين أكثر من كونه معبرا عن مصالح الشعب..

خاتمة:

في ذكرى الجلاء، يعود اليمنيون إلى ذاكرتهم الجماعية، إلى زمن انتصر فيه الشعب على الإمبراطورية الأكبر في العالم بإيمانه وعدالته وقوة وحدته، وبينما يعيش اليمن اليوم أحد أكثر المنعطفات خطورة في تاريخه، يبقى الدرس الأهم من جلاء 1967 هو أن التحرر يبدأ من الداخل: من وحدة الصف، من الإيمان بالهوية، ومن رفض أي وصاية، مهما كان شكلها أو مصدرها..

عيد الجلاء ليس مجرد احتفال، بل تذكير بأن اليمن لا يصان إلا بأبنائه، وأن الاستقلال ليس حدثا من الماضي، بل معركة تتجدد كل يوم وأن المرتزقة مهما أخلصوا لأسيادهم إلا أن الأرض الطيبة ستلفظهم كما يلفظ البحر الجيف من الميتة..

آخر الأخبار