بحث

أحزاب الغفلة في زمن الرفلة

مصطفى بن خالد

 

شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم 
مـــصـــطــفـــى بن خالد

أحزاب الغفلة في زمن الرفلة

في زمنٍ تتساقط فيه الدول كما تتساقط أوراق الخريف اليابسة، وتترنّح فيه الأوطان تحت مطارق الأطماع الخارجية، برزت على الساحة اليمنية ظاهرة سياسية غريبة لا تُشبه في شيء معنى السياسة ولا مقاصد الحزبية:
أحزابٌ بلا روح… وجماعات بلا مشروع… وكيانات هشّة فقدت آخر ما تبقّى من رصيدها الشعبي.

لقد تحوّلت تلك الأحزاب — التي كانت يوماً ما تتشدّق بالوطنية والعدالة والقومية — إلى أطلالٍ باهتة، لا تمارس من السياسة إلا قشورها، ولا تتقن من العمل إلا فنّ إصدار البيانات الجوفاء.
إنها بلا مبالغة:
أحزاب الغفلة في زمن الرفلة.

هياكل حزبية متكلّسة… تمشي بخطى الكهول في زمن الشباب

من يتأمّل المشهد الحزبي في اليمن اليوم يدرك أننا أمام تشكيلات أقرب إلى المخطوطات القديمة منها إلى المؤسسات الحديثة.

مقرات أشبه بالمستودعات، قيادات لم تتغيّر منذ أن كانت الهواتف تُدار بالأسلاك، وهياكل تنظيمية تحكمها قوانين “ العفوية السياسية ” لا لوائح الأحزاب.

إنها أحزاب توقّف الزمن عندها فاستحالت إلى كائنات سياسية محنّطة، لا تتحرك إلا على إيقاع الشائعات، ولا تتفاعل إلا عندما تتساقط عليها المخصصات.

 أحزابٌ تعمل بالمخصصات والخارج يتحكم بـ” زر التشغيل ”

اللعنة الكبرى التي ضربت كثيراً من الأحزاب اليمنية تكمن في أنها لم تعد تشتغل بالإرادة الوطنية، بل تشتغل  " بـطاقة الدعم الخارجي  ”.

فكل حزب يشحن نفسه بحوالة، ويصدر بياناً عند دفعة، ويتوقف عن الكلام عندما تنقطع الكهرباء الدبلوماسية.

الحزب الذي يستمد حياته من جيب الخارج، هو حزب فقد شرعية الداخل.
وحزب لا يملك إلا صدى التعليمات التي تأتيه من بعيد.
قيادات شاهدة على عصرها… ومعطّلة عن حاضرها.

تبدو قيادات الأحزاب اليمنية اليوم كما لو أنها خرجت من حقبة زمنية أخرى:
خطابات ثقيلة، عبارات قديمة، رؤى متآكلة، ووجوه استهلكها التاريخ حتى الملل.
وجوه باقية في مواقعها لا لأنها الأصلح… بل لأنها ترفُض المغادرة.

كأنما المناصب في تلك الأحزاب إرث عائلي مقدّس.
من يتقدّم؟
من يتأخر؟
من يصلح ومن لا يصلح؟
لا أحد يسأل… لأن السؤال وحده بدعة.

أحزاب بلا جمهور… وأمة بلا تمثيل

لم يعد الشعب اليمني يثق بالكيانات التي خانته مراراً.
لم تعد الجماهير ترى في تلك الأحزاب إلا أصواتاً تكرر نفسها في كل خطاب، ووعوداً تُعاد صياغتها منذ عشرين سنة.

الحزب الذي يفقد جمهوره يتحول من “ ممثل للشعب ” إلى ديكور سياسي.
وها هي أحزاب اليمن اليوم مجرد ديكورات معلّقة في فضاء لم يعد يعترف بها.

أحزاب شاهدة زور على بازار وبرصة نخاسة الأوطان

في الوقت الذي تُباع فيه الأوطان في مزادات النفوذ، وتُقسّم الأرض كقطعة قماش بين الطامعين، وقفت الأحزاب اليمنية موقفاً هو أقرب ما يكون إلى شهادة الزور السياسية.

شهدت على:
 • تفكيك الدولة
 • استباحة السيادة
 • تجريف القرار الوطني
 • وبيع المواقف في أسواق العلاقات العامة الإقليمية
 • ومساومة الوطن مقابل امتيازات ضيقة

ومع ذلك، لم ترفع صوتاً، ولم تعترض طريقاً، بل شاركت — بالصمت أو التواطؤ — في حفلة توزيع الغنائم.

إنها أحزاب تحوّلت من “ ضامن سياسي ” إلى “ سمسار صامت ”،
ومن “ حارس للوطن ” إلى “ حارس لبازار الوطن ”.

وهل في التاريخ خيانة أكبر من أن يشهد المرء ذبح وطنه… ثم يصمت؟

أخطاء متراكمة… وشعب يدفع الثمن وحده

تراكمت أخطاء الأحزاب كما تتراكم الأكوام العتيقة في مخازن مهجورة.
كل حزب له سجل طويل من:
 • الإخفاقات
 • الارتباكات
 • الامتناع عن تحمل المسؤولية
 • والعجز عن تقديم أي مشروع حقيقي

وبينما يستنزف الوطن في معارك لا نهاية لها، بقيت تلك الأحزاب مشغولة بـ :
منصب، سفارة, دعم، مؤتمر، ورقة، بيان…
وكأن البلاد بخير.

نحو مستقبل يتجاوز الأحزاب الخشبية

لن يُكتب لليمن مستقبلٌ مستقرّ ما دام القرار محتجزاً لدى أحزابٍ تعيش على ذكرياتٍ لا تجدي، وتمارس سياسةً لا تُثمر، وتعيش في فوضى لا تُولّد وطناً.

المستقبل لن يبنيه هؤلاء.
بل سيبنيه جيلٌ جديد:

جيلٌ لا يركع لزعيم قديم،
ولا يخضع لخطاب خشبي،
ولا يرى الوطن شركة مساهمة،
بل يراه رسالة ومسؤولية وقدراً.

جيل لا يرضى أن يبقى اليمن صفقة معلّقة على طاولة الآخرين.

الخلاصة: 

لقد انتهى زمن المجاملات، وسقطت الأقنعة، وانكشف الخواء السياسي.
ولم يعد في وسع الشعب اليمني أن يحمّل البلاد أوزار أحزابٍ لم تتخلص بعد من غفلتها…
بينما الوطن يغرق في بحرٍ هائج من الفوضى والارتهان.

إنها لحظة فارقة:
إما أن تستيقظ تلك الأحزاب… أو أن تستقيل من التاريخ.

فالأوطان لا تُبنى بالبيانات… ولا بالارتهان… ولا بالشعارات.

آخر الأخبار