اليمن: هل يواجه مجلس القيادة الرئاسي خطر التفكك؟
صحيفة بحر العرب - سمير حسن
يقف مجلس القيادة الرئاسي اليمني عند مفترق طرق حاسم، مع تصاعد الخلافات والانقسامات الداخلية بين مكوناته الثمانية،وسط واقع سياسي وأمني معقد،وتنامي المطالب الانفصالية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد أبرز الأطراف داخل المجلس.
تأسس المجلس في أبريل 2022 كمحاولة لتوحيد القوى المناهضة للحوثيين،لكنه ضم منذ البداية قوى متباينة في الأهداف والولاءات، بين مكونات تؤمن باليمن الاتحادي ومرجعيات الدولة، وأخرى تدفع نحو الانفصال، ما خلق حالة من الشلل السياسي، وعرقل اتخاذ قرارات حاسمة.
اليوم، تبدو التناقضات البنيوية داخل المجلس أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، مع تفجر توترات ميدانية في حضرموت والمهرة، وخطابات متناقضة من أعضاء في المجلس ذاته، في ظل صمت رئاسي يثير التساؤلات.
الشارع اليمني والمراقبون يتساءلون: هل ما يزال المجلس قادراً على إدارة المرحلة؟ أم أننا أمام تفكك وشيك لأعلى سلطة شرعية في البلاد؟
.تماسك حربي
وخلال الأشهر الأولى من تشكيله، تمكن مجلس القيادة الرئاسي من الحفاظ على قدر من التماسك بفعل الانشغال المشترك بمعركة التصدي للحوثيين.
لكن هذا التماسك الهش بدأ يتآكل سريعاً مع بروز تعقيدات المحاصصة وتضارب المصالح بين مكوناته، ما أدى إلى تصاعد الخلافات وتفجر أزمات سياسية وأمنية متكررة.
ورغم محاولات المملكة العربية السعودية، الداعم الرئيسي للمجلس، احتواء تلك التباينات منذ البداية، فإن الانقسامات تسللت تدريجياً إلى مؤسسات الدولة، لتنعكس في شكل تضارب في القرارات، وتباين في المواقف، بل امتدت إلى إعادة رسم خارطة النفوذ العسكري في المحافظات المحررة.
ويرى مراقبون أن المجلس، الذي تأسس لتحصين الصف الجمهوري، يعاني من هشاشة في تحالفاته، إذ يضم أطرافاً متعارضة المشاريع.
ففي الوقت الذي يدفع فيه المجلس الانتقالي الجنوبي -الذي يشغل ثلاثة مقاعد داخل المجلس- نحو مشروع الانفصال، تتمسك قوى أخرى بخيار الدولة الاتحادية، فيما تسعى أطراف محلية لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري، مستغلة حالة التوازن الهش داخل القيادة.
في الأيام الأخيرة، بلغ الخلاف داخل مجلس القيادة الرئاسي ذروته، مع تصعيد عسكري غير مسبوق نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، شمل عمليات واسعة في وادي حضرموت والمهرة.
وقد أسفرت هذه التحركات عن سيطرة قواته على مواقع ومدن ومرافق حيوية، بما في ذلك مناطق نفطية استراتيجية، الأمر الذي أدى إلى توسيع نفوذ الانتقالي ليشمل قرابة نصف مساحة البلاد.
هذا التصعيد الميداني فجّر موجة من التوتر السياسي، دفعت الحكومة إلى مغادرة العاصمة المؤقتة عدن نحو السعودية، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً على عمق الأزمة داخل المجلس.
وفي أول رد رسمي، اتهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الانتقالي الجنوبي بـ"تقويض شرعية الدولة"، محذراً من مخاطر الإجراءات الأحادية، وداعياً المجتمع الدولي إلى التدخل والضغط لعودة القوات إلى مواقعها السابقة، بما يضمن الحفاظ على وحدة المؤسسات وتماسك الجبهة الداخلية.
. سلطة موازية
يُنظر اليوم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي كأقوى سلطة فعلية في الجنوب منذ تأسيسه عام 2017 بقيادة عيدروس الزبيدي، حيث شكّل منذ ذلك الحين سلطة موازية للحكومة الشرعية، وفرض حضوره السياسي والعسكري على الأرض.
وبرغم وجوده في أعلى هرم السلطة عبر رئاسة ونائبين داخل مجلس القيادة الرئاسي، لا يزال الانتقالي يدفع بخطى واضحة نحو مشروعه الانفصالي لاستعادة دولة الجنوب السابقة.
في المقابل، تواصل السعودية جهود التهدئة من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة، غير أن تلك المساعي لم تحقق اختراقاً حقيقياً حتى الآن.
ووفق مراقبين، فإن استمرار المجلس الرئاسي كجسم موحّد بات رهناً بمدى استعداد مكوناته لتقديم تنازلات حقيقية، أو تدخل خارجي حاسم قادر على فرض تسوية داخلية تنقذ ما تبقى من شرعيته ووظيفته.
ويرى محللون أن الأزمة المتفاقمة داخل المجلس تعود في جذورها إلى تركيبته الأولية التي جمعت أطرافاً شديدة التباين في الرؤى والمصالح، اجتمعت مؤقتاً على هدف مشترك هو مواجهة الحوثيين، لكنها سرعان ما عادت لتغرق في صراعات النفوذ والمشاريع المتناقضة.
ويقول عبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات، إن فشل المجلس في تحقيق اختراق عسكري ضد الحوثيين فتح المجال أمام كل طرف داخله لتنفيذ أجندته الخاصة، لا سيما مع بروز خلافات إقليمية انعكست على أداء المجلس، وأضعفت قدرته على اتخاذ قرارات جماعية.
وحذّر محمد من أن ملامح التفكك باتت واضحة من خلال التعيينات الأحادية، وفرض الوقائع العسكرية على الأرض، كما حدث في حضرموت، معتبراً أن المجلس الرئاسي "يقترب من نهايته" ما لم تتوحد مكوناته مجدداً حول هدف مواجهة الحوثيين، وهو الهدف الذي برّر تأسيسه في الأصل.
. سيناريوهات متعددة
ومع انسداد أفق التفاهمات وتصاعد حدة الانقسامات، تتضاءل فرص بقاء مجلس القيادة الرئاسي بصيغته الحالية، وسط تحذيرات من انهيار سياسي وشيك ما لم يتم تدارك الأزمة.
ويطرح مراقبون عدة سيناريوهات محتملة، من بينها إعادة هيكلة المجلس، أو تقليص عدد أعضائه، أو حتى تفكيكه بالكامل إذا استمرت التصدعات الداخلية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الزرقة أن المجلس قد "انتهى فعلياً"، مشيراً إلى أن تضارب الأجندات وتعدد الولاءات الإقليمية لأعضائه جعله عاجزاً عن القيام بوظائفه.
واعتبر الزرقة أن تشكيل المجلس في الأصل "وجّه ضربة قاصمة للشرعية اليمنية"، إذ بدلاً من أن يكون منصة لتوحيد القوى المناهضة للحوثيين، تحوّل إلى ساحة صراع سياسي بين أطراف متنافسة تسعى لتكريس نفوذها على حساب الدولة.
وحذّر الزرقة من أن تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي لطموحاته الانفصالية ورفعه لسقف توقعات أنصاره، سيجعل أي محاولة لإعادة صياغة مجلس القيادة الرئاسي محفوفة بالصعوبات، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات إقليمية حاسمة.
واعتبر أن اتساع خطوات الانتقالي الأحادية وتصاعد نفوذه على الأرض يهددان شرعية المجلس، محذراً من أن الأخير قد يفقد مبرر وجوده تماماً إذا لم تُعالج الخلافات الداخلية المتفاقمة بسرعة وفاعلية.