سلامٌ على الخراب… هذا الوطن الذي يُذبح ويبتسم”!!!! ——————— عبدالعزيز ابوعاقلة
لم تكن الحرب في السودان معركة وطنية ولا حرب كرامة كما يرددون … كانت بمثابة سيرك هزلي للكراهية والعنصرية ..حرب بلا فكرة .. ولا رؤية … كل الذي برعت فيه تقسيم السودانيين
كانت مشهدًا مفتوحا للدم مرتجلًا على مسرح العبث اللامعقول يلعب فيه الجميع دور البطل زيفا … إلا الشعب كان يستخدم كمبارس …
كان السياسيون سحره مستنسخين الأدوار، ولم ولن يتعلموا من تجاربهم السابقة الفاشلة …
والعسكر يمارسون الوصاية علي شعبهم و يتدربون على البطولة كما يتدرّب الممثل الرديء على البكاء أمام المرآة،
والمواطن… يُطلب منه سلطة الحرب : الموت في صمت، حتى لا يفسد عليهم بطولتهم الزائفة .
⸻
الحرب ليست حدثًا يبدأ بالتكبير وينتهي بالتوقيع علي النصر المبين … كما يتوهمون ..
الحرب حالة من الذبح المجاني … ذبح الهوية ..ذبح الضمير الوطني …التيه … الجنون ..الهلع الغير مرئي ….هي حربهم ….
الحرب عندنا ليست فقط “القتال”،من ينتصر من ؟ ومن أطلق الرصاصة الاولي !!! بل “الانتظار”:
انتظار وطن كامل يبحث عن نفسه وروحه …
انتظار هويته الطوعية لا هوية تختارها السلطة قسرا…
انتظار العدالة التاريخية…. انتظار السلام العادل …
انتظار أن ينتهي مسلسل الدم…. انتظار ان يخرج الظلاميين المتأسلمين المستبديين العنصريين من سماءنا ومن هوانا
وكيف نبني وطنا جديد ….
—————
الحرب ليست نزهة قصيرة … او رصاصةطائشة في الشارع…او تدوين
الحرب أن تستيقظ في الصباح وتسأل: هل اخطأني الموت هذه المرة
هل بيتي ما زال في مكانه؟
هل جاري ما زال حيًا؟
هل ما زال لدي وطن انتمي اليه … أم تحوّل إلى كذبة رسمية؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~. . الوطن كان محتضرا مبكرا منذ أن تعلّم السياسي عندنا الكذب الخداع والمراوغة وعرف الركض خلف الكاميرات
ومنذ أن تعلّم العسكري أقصر طريق للسلطة تقويض ثورات شعبه وهو لا يعرف شيئا عن الفرق بين الديمقراطية والثيوقراطية
ساعتها تحوّل الوطن إلى مسرح تهريج كبير.
⸻
نخب المنفى يتحدثون عن الوطن كما يتحدث السائح عن مدينة زارها يومًا:
“جميلة… فقيرة… تحتاج دعمًا.”
يظهرون في المؤتمرات ببدلات أنيقة،
ويقترحون حلولًا على شعب لا يجد حتى طابورًا يقف فيه.
ويتجاهلون أن النازح في المعسكر يحتاج ماءً قبل تضامنهم …
هم يجلسون على طاولات مستديرة،ويصفقون
بينما الوطن صار اصغر من دولة داخل قبر جماعي.
⸻
أما النخب في الداخل …
فتتقن بمهارة ثلاث أشياء :
السلطوية والانتهازية. والتدليس لسلطة حتي لو كانت پأسم العسكر
ثم يلومون الوطن لأنه لا يشفي.
⸻
العسكر؟
آه… من العسكر.
ظنّوا أن الانقلابات تصنع دولة،
وأن الرصاصة أقصر طريق للشرعية،
وأن الدبابة أكثر إقناعًا من الدستور.
نسوا أن التاريخ لا يكتب بلون الكاكي، والمارشات العسكرية
⸻
أتعلم ما هي مأساة السودان الحقيقية؟
أن الحرب أصبحت عادية…
أن القصف صار خلفية يومية تشبه صوت المروحة،
أن النزوح صار موسمًا مثل الخريف،
أن الموت صار خبرًا “تقنيًا” اخير كالنشرة الجوية
⸻
كنا نحلم بوطن،
فأعطونا خريطة ركام …
كنا نريد دولة،
فأعطونا ما يسمي مجلسًا عسكريًا.
كنا نريد عدالة،
فأعطونا طغيان واستبداد …وفاشية ..
كنا نريد سلامًا،
فأعطونا هتافا فارغا اجوف "جيشا واحد شعبا واحد" لا يأمن من خوف ولا يسمن من جوع
⸻
المواطن السوداني هو الكائن الوحيد في العالم أحلامه البسيطة مؤجلة ….
الذي يتقن فن “النجاة بلا حياة”.
ينجو من الحرب… ليقع في المجاعة.
ينجو من القصف… ليُجلد بالفقر.
ينجو من الخوف… ليسكن مع اليأس في نفس الغرفة. ينجو من كذب النخب السياسية … ليقع في قبضة العسكر الفاشية …
⸻
الحرب عندما يسأل طفلا ذات صباح أمه : لماذا الحرب ؟ الحرب ليست ضدنا…
الحرب فينا.
تسكن في لغتنا حين نقول “نحن” وهم يقصدون “هم”.
تسكن في مأزق هويتنا ا حين نسأل “من قبيلتك؟” قبل أن نسأل “كيف حالك؟”
تسكن في ذاكرتنا حين نترحم على الماضي… وكأنه لم يكن أيضًا مليئًا بالظلم.والغبن التاريخي ….
⸻
يا وطني،
كم مرة قتلوك بأسم الوطنية المفتري عليها وأقمت لهم عزاءً في قلبك
كم مرة سامحتهم؟ كم مرة كسروك !!!
كم مرة دفنت أبناءك بيديك ثم وقفت شامخًا كي لا يروك تبكي؟
أيها الوطن،
اعذرنا…
لقد خذلناك باسم “الواقعية ”
⸻
التاريخ سيكتب:
أن النخب تآمرت، هم نفسهم الذين باعوا دماء الشوارع لقاء مناصب،
والعسكر وتجار الدين تنافسوا على السلطة كما يتنافس الذئاب على جثة ،
وأن الشعب مات وهو يبتسم… كي لا يقال إنه جبان.
⸻
سيأتي جيل جديد،
يسأل:
من أشعل النار؟
لماذا لم توقفوها؟
سنحاول أن نبرر…
لكن الرماد لا يقبل الأعذار.
والقبر لا يصدّق خطابات الرثاء وعرس الشهيد …
والأجيال… لا تسامح من حول الوطن إلى ركام.
⸻
هذه ليست حربًا.
هذه فضيحة أخلاقية،
سقوط لهم جماعي للقاع الآسن…
عار مكتوب بحبر العار على جبينهم …
وإن لم نقول بصوت عالي الآن : اوقفوا هذا الحرب العبثية وعاقبوا من اشعلوها ..بمبدأ العدالة التاريخية
فسيأتي يوم نصبح فيه مجرد حاشية في كتاب التاريخ:
“هنا كان شعب…
هنا كان وطن اسمه السودان …
⸻
يا ليت الحرب كانت أغنية حزينة…
كنا سنعيدها كل مساء ونبكي.
لكنها كانت نشيدًا من القبح صاخبًا
افتتحته البنادق،
ورقصت فوقه الجثث،
واخيرا صفق له تجار الدم والحروب والظلاميين …
⸻
لن نغفر ….
ولن نصفق لهم …
ولن نسكت …
فالصمت خيانة لشعوبنا …. لا للحرب …. الف مرة ..ومرة
فالحقيقة …والكتابة آخر ما نملكه.
عبدالعزيز ابوعاقلة. لندن اكتوبر 2025. azizabuaglah@gmail.com
