بحث

حضرموت السباق على النفط والساحل: هل بدأت معركة كسر العظم ؟

مصطفى بن خالد

 

شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم 
مـــصـــطــفـــى بن خالد

حضرموت السباق على النفط والساحل:
هل بدأت معركة كسر العظم ؟

قراءة سياسية معمّقة في لوحة النفوذ الإقليمي والدولي

لم يكن قرار إقالة محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي وتعيين الدكتور سالم أحمد الخنبشي مجرد إجراء إداري عابر، ولا خطوة تقنية في مسار إدارة محلية اعتيادية. 
ما جرى أقرب إلى حركة على رقعة شطرنج إقليمية مكتظة بالتناقضات والرهانات، تتداخل فيها اعتبارات النفوذ السعودي والإماراتي مع حسابات دولية أوسع، تتقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان عاد نفوذهما البحري والأمني بقوة إلى المنطقة خلال العامين الأخيرين.

حضرموت: رقعة تتقاطع عندها الجغرافيا بالنفط بالموانئ

تستمد حضرموت أهميتها من ثلاثة عناصر:
النفط – الجغرافيا – المنافذ البحرية.
ومن يمتلك إدارة هذا المثلث يملك قدرة تأثير تتجاوز حدود المحافظة إلى عموم المشهد اليمني والخليجي، بل وتمتد إلى حسابات الأمن البحري الدولي.

لهذا، نظرت الإمارات إلى حضرموت الساحل بوصفها شرياناً اقتصادياً وأمنياً بالغ الحساسية، فأسّست خلال السنوات الماضية شبكات نفوذ في الموانئ والمطارات والمعسكرات عبر قوات النخب الموالية لها. 
في المقابل، ظل النفوذ السعودي في الساحل أضعف نسبياً، ما دفع الرياض إلى البحث عن مرتكز قبلي – عسكري يعيد توازن القوى ويوفر لها موطئ قدم في مواجهة التمدد الإماراتي.

تجربة شبوة: المشهد الذي يتكرر بأدوات مختلفة

ما حدث في شبوة سابقاً لم يكن مجرد تغيير محافظ. بل كان هندسة سياسية – عسكرية أتاحت للإمارات إدخال تشكيلاتها المسلحة، وإزاحة قيادات كانت تعارض الوصاية الخارجية، ليتم إعادة رسم خارطة النفوذ لصالح أبوظبي.

حينها، تم تمرير الأمر عبر تفاهمات بين الرياض وأبوظبي قوامها:
تسهيل سعودي في شبوة مقابل ابتعاد إماراتي عن حضرموت.
لكن الإمارات، بعد أن أحكمت قبضتها على شبوة، لم تلتزم عملياً بالاتفاق غير المعلن، وواصلت تعزيز حضورها في الساحل الحضرمي، وعرقلت دخول قوات مدعومة سعودياً، بما فيها قوات ما يسمى “ درع الوطن الوهابية ”. 
هنا بالتحديد بدأ الخلاف الصامت بين الطرفين بالظهور.

التوتر الراهن: سباق نفوذ لا يريد أحد الاعتراف به

قرار إزاحة بن ماضي يبدو أنه محاولة سعودية لإعادة تموضع نفوذها في المحافظة عبر شخصية متوافقة مع رؤيتها، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تحشيد عسكري خارج المحافظة، ما يعزز المخاوف من انتقال التوتر السياسي إلى احتكاك ميداني.

الأخطر من ذلك أن القوى التي تستقدمها الإمارات من الضالع ويافع وردفان تعكس خشيتها العميقة من هشاشة الولاء داخل النخب الحضرمية نفسها. 
فالإمارات تدرك أن أي صدام داخلي ستكون الكفة فيه أقرب إلى التحول نحو القبيلة والهوية المناطقية، أكثر من الولاء للقوة الخارجية.

الدور الأمريكي والبريطاني: اللاعب غير المُعلن في إدارة المشهد

إغفال البعد الغربي يعني قراءة ناقصة. فبينما تُركّز الأنظار على التنافس السعودي – الإماراتي، تتحرك واشنطن ولندن وفق أولويات أبعد من التوازنات الإقليمية.

1. أمن الملاحة الدولية

تصاعد الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن أعاد الولايات المتحدة وبريطانيا إلى المنطقة بثقل عسكري وبحري مباشر، ما يجعل حضرموت — القريبة من خطوط الطاقة والتجارة — جزءاً طبيعياً من الحسابات المرتبطة بالأمن البحري العالمي.

2. منع تمدد النفوذ الإيراني

الغرب ينظر إلى شرق اليمن باعتباره ساحة يمكن أن يُستغل فيها الانكشاف الأمني لتمدد نفوذ إيراني عبر وكلاء محليين. 
ولهذا يسعى إلى ضبط الإيقاع السعودي – الإماراتي حتى لا يتحول تنافسهما إلى فراغ تستفيد منه طهران.

3. إدارة التوازن لا الحسم

السياسة الأمريكية – البريطانية تميل إلى:
تثبيت الحد الأدنى من الاستقرار، ومنع الحسم لأي طرف، وإبقاء أوراق الضغط موزعة بالتساوي.
ليس في مصلحة واشنطن أو لندن أن تتحول حضرموت إلى منطقة نفوذ خالصة لأي دولة خليجية؛ لأن ذلك يُخلّ بقدرة الغرب على التأثير ويفتح الباب لتداخلات غير مرغوب بها.

4. القوة البحرية والاستخباراتية كورقة ضغط

تواجد حاملات وطائرات قتالية وقدرات استخبارات بحرية – جوية يوفر للغرب قدرة على ممارسة “الردع الهادئ” وإرسال رسائل غير معلنة لأي قوة تحاول تغيير المعادلة بشكل منفرد.

المآلات المحتملة: هل اقتربت ساعة الصدام؟

السيناريو الأول: ضبط التنافس (الأكثر احتمالاً)
 • تفاهم سعودي – إماراتي برعاية غربية.
 • استمرار حالة “الاستقرار المتوتر”.
 • بقاء حضرموت منطقة تقاسم النفوذ لا منطقة نفوذ حصري.

السيناريو الثاني: توسع التحشيد نحو مواجهة محدودة
 • انزلاق ساحل حضرموت إلى صدام موضعي بين وكلاء الطرفين.
 • تدخل غربي لإعادة احتواء الموقف حفاظاً على أمن الملاحة.
 • تفاقم الاحتقان الشعبي داخل حضرموت.

السيناريو الثالث: انفجار شامل يغيّر المعادلة
 • انهيار التفاهمات السعودية – الإماراتية.
 • تدخل غربي أقوى وربما فرض ترتيبات أمنية مباشرة عبر قوات محلية مؤهلة دولياً.
 • تحوّل حضرموت إلى محور إدارة دولية أكثر منها مساحة نفوذ إقليمي.

الخلاصة: 
سياسة النفوذ أم جغرافيا السيادة؟

حضرموت اليوم ليست مجرد محافظة يمنية تتنافس عليها أطراف محلية، بل نقطة ارتكاز جيو – اقتصادية تتحرك فوقها ثلاثة مستويات من اللاعبين:
 • الفاعلون المحليون
 • القوى الخليجية
 • الولايات المتحدة وبريطانيا

والمؤسف أن اليمنيين — كما تقول الوقائع — باتوا آخر من تُستشار إرادتهم، فيما تُدار تعييناتهم وصراعاتهم وفق خرائط النفوذ الإقليمي والدولي، لا وفق مصالحهم الحقيقية.

إن مستقبل حضرموت لن يُصاغ بالكامل في الرياض أو أبوظبي أو واشنطن أو لندن، لكنه أيضاً لم يعد قراراً محضاً لأبنائها ما لم تتشكل كتلة حضرمية موحدة تقول كلمتها بقوة ورشد، وتعيد توجيه البوصلة نحو مشروع يعيد للناس حقهم في حماية أرضهم ومواردهم وقرارهم.

آخر الأخبار