السعودية والإمارات لا تتصارعان في اليمن… بل تتصارعان باليمنيين على شكل النفوذ في بلادهم.
حضرموت بين تنازع الرياض وأبوظبي: إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق اليمني
صحيفة بحر العرب - خاص
حضرموت بين تنازع الرياض وأبوظبي: إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق اليمني
تحليل استراتيجي :
حضرموت بين تنازع الرياض وأبوظبي: إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق اليمني
تحليل استراتيجي
⸻
مقدمة:
تشهد محافظة حضرموت تحولات متسارعة في البنية السياسية والعسكرية بعد قرار إقالة محافظها مبخوت بن ماضي وتعيين الدكتور سالم أحمد الخنبشي بدلاً عنه. هذا القرار، الذي يبدو إدارياً على السطح، يندرج في عمق صراع إقليمي متشابك بين الرياض وأبوظبي على النفوذ في الشرق اليمني، ولا يمكن فهمه بمعزل عن التوازنات الجديدة في الجنوب والشرق وارتباطات الطاقة والموانئ والأمن البحري.
الورقة تسعى إلى تقديم قراءة استراتيجية معمّقة لهذا الحدث من خلال تحليل الدوافع والخفايا وتقدير المآلات ووضعه ضمن الإطار الأوسع لإعادة تشكيل تحالفات الحرب اليمنية.
⸻
أولاً: توصيف المشهد الراهن
1. بنية القوة في حضرموت
حضرموت منقسمة إلى كتلتين رئيسيتين:
• الساحل: حيث النفوذ الأمني للقوات ذات الارتباط الإماراتي.
• الوادي والصحراء: حيث تتمركز المنطقة العسكرية الأولى وقوى قبلية موالية أو متحالفة مع الرياض.
2. حساسية الموقع الحضرمي
حضرموت ليست وحدة إدارية عادية؛ بل منطقة تتحكم بثلاثة محاور استراتيجية:
• الثروة: حقول النفط والغاز.
• الجغرافيا: أكبر محافظات اليمن ومساحة نفوذ بري ممتد إلى الحدود السعودية.
٠ البحر: ساحل طويل يمثل نقطة ارتكاز للتحكم بممرات بحر العرب.
3. تحركات عسكرية موازية للقرار الإداري
بالتوازي مع إقالة بن ماضي، تشهد حضرموت:
• حشد قوات قادمة من الضالع ويافع وردفان.
• تحفّز قبائل الوادي والصحراء تجاه أي تمدد.
• خلخلة في توازنات السلطة المدنية.
هذا الارتباط بين الإجراء الإداري والنشاط الميداني يشي بأن القرار جزء من عملية إعادة هندسة للمشهد.
⸻
ثانياً: تحليل الدوافع
1. الدوافع السعودية
أ. استعادة النفوذ في الشرق
بعد تقلص نفوذ الرياض في عدن وشبوة، تجد في حضرموت آخر مساحة استراتيجية لإعادة التوازن.
ب. حماية خطوط الطاقة المحتملة
السعودية تمتلك رؤية أمنية واقتصادية حول إمكانية مد خطوط تصدير نفط عبر البحر العربي مستقبلًا.
ج. محاولة ضبط أدوات التحالف
الرياض باتت أكثر حساسية تجاه اختلال موازين القوة لصالح أبوظبي.
2. الدوافع الإماراتية
أ. السيطرة على الموانئ والساحل
الساحل الحضرمي يُنظر إليه كامتداد لسلسلة النفوذ البحري:
عدن – بلحاف – المكلا – المخا – باب المندب.
ب. فرض واقع أمني يحمي نفوذها جنوباً
ترى أبوظبي أن السيطرة على الساحل الشرقي ضرورية لاستكمال مشروع النفوذ العسكري والبحري.
ج. تقويض الخصوم داخل حضرموت
أي سلطة مدعومة سعودياً تمثل تهديداً لمشروعها.
3. دوافع الأطراف المحلية
أ. القبائل
رغبتها في منع التمدد الخارجي فوق أرضها.
قبائل حضرموت ترفض أي وصاية سواء شمالية أو جنوبية.
ب. النخب الحضرمية
تتحرك بين هاجسين:
• حماية الهوية المحلية.
• تجنب الدخول في صراع إقليمي بالوكالة.
⸻
ثالثاً: الخفايا – ما وراء الحدث المرئي
1. انهيار اتفاق “تقاسم النفوذ” بين الرياض وأبوظبي
التفاهم الذي قام على:
• تعاون سعودي في شبوة
مقابل
• تقليص التمدد الإماراتي في حضرموت
لم يعد معمولاً به حين منعت أبوظبي قوات موالية للرياض من دخول المكلا.
2. هواجس الولاء داخل التشكيلات الحضرمية
أبوظبي لا تثق بأن النخب الحضرمية ستقاتل ضد أهلها في صراع داخلي، لذلك تعتمد على قوات من محافظات أخرى.
3. المحافظ الجديد… دور وظيفي لا إداري
تعيين سالم الخنبشي يحمل أبعاداً أوسع من مجرد تغيير إداري:
• الرجل يمثل خياراً سعودياً واضحاً.
• سلطته ستتحدد وفق التوازنات العسكرية لا وفق صلاحياته الدستورية.
• القرار يعكس رغبة الرياض في إعادة هندسة الإدارة المدنية لصالح مشروعها.
4. الانقسام داخل المكوّنات الجنوبية
المجلس الانتقالي يعاني:
• رفضاً حضرمياً متصاعداً.
• انقسامات داخلية في عدن وأبين وشبوة.
• أزمة شرعية اجتماعية في الشرق.
هذه البيئة تمنع أبوظبي من تحقيق اختراق سلس.
⸻
رابعاً: تقدير الموقف – السيناريوهات المحتملة
1. سيناريو التصعيد العسكري (معركة كسر العظم)
المؤشرات:
• تحشيد قوات من خارج حضرموت.
• توتر قبلي مرتفع.
• خلاف سعودي – إماراتي لم يُحسم.
النتائج المحتملة:
• اشتباكات في الساحل.
• تعطيل إنتاج النفط.
• انقسام حاد داخل المحافظة.
2. سيناريو “تقاسم النفوذ” المؤقت
محتمل إذا جرى تفاهم جديد:
• الإمارات تبقي سيطرتها على الساحل.
• السعودية تحافظ على الوادي.
• بقاء خطوط التوتر دون انفجار.
سيناريو هش لكنه قابل للبقاء مؤقتاً.
3. سيناريو “الحياد الحضرمي”
فيه تتقدم القوى المحلية:
• القبيلة
• المجتمع المدني
• القيادات التقليدية
لتفرض معادلة ميدانية تمنع الطرفين من فرض سلطة مطلقة.
هذا السيناريو يزداد واقعية بفعل:
• تماسك الهوية الحضرمية
• قوة الحلف القبلي
• إدراك المجتمع المحلي لخطورة التدخلات الخارجية
4. سيناريو التسوية الإقليمية الكبرى
يتطلب تفاهم سعودي – إماراتي أوسع يشمل:
• عدن
• شبوة
• الساحل الحضرمي
لكن هذا السيناريو يحتاج تطوراً في العلاقات بين الطرفين يتجاوز الخلافات الحالية، وتدخل بريطاني - أمريكي، لحسمه ، وأعطاء اليمنيين فرصة في إدارة بلدهم.
⸻
خامساً: الحدث في ميزان الاستراتيجية الإقليمية
1. حضرموت تتحول إلى محور مركزي في معادلة الحرب
لم تعد محافظة هامشية؛ بل منطقة تحدد مستقبل ممرات الطاقة والبحر العربي.
2. السعودية والإمارات تعيدان تعريف أدوارهما
التنافس على حضرموت يعكس تراجع صيغة التحالف القديمة التي حكمت سنوات الحرب الأولى.
3. الأمن البحري أصبح جزءاً من الصراع
المكلا والموانئ المجاورة أصبحت عناصر مهمة لأي مشروع إقليمي للتحكم بخط الملاحة من بحر العرب إلى القرن الأفريقي.
4. الدور القبلي الحضرمي يدخل المعادلة الإقليمية
القبيلة لم تعد مجرد عنصر اجتماعي، بل لاعب استراتيجي يعيد توصيف ميزان القوة.
⸻
سادساً: خلاصة واستنتاجات
• قرار إقالة بن ماضي ليس إدارياً، بل جزء من معركة إعادة تشكيل النفوذ في الشرق اليمني.
• حضرموت تحولت إلى مركز تنازع سعودي – إماراتي تتقاطع فيه الطاقة والبحر والقبيلة.
• القبائل والنخب الحضرمية تمثل اليوم عامل حسم في منع مشاريع الهيمنة.
• معركة “كسر العظم” ممكنة إذا لم يحدث ضبط إقليمي للمشهد.
• أي انفجار عسكري سيحوّل حضرموت إلى ساحة حرب بالوكالة وسيمس نسيجها الاجتماعي مباشرة.
• السيناريو الأكثر احتمالاً هو إعادة تموضع إقليمي يوازن النفوذ دون حسم كامل.
⸻
سابعاً: توصيات استراتيجية (للنشر أو النقاش)
1. التحييد الكامل لحضرموت عن أي صراع إقليمي عبر مبادرة محلية — قبلية –مدنية.
2. تعزيز استقلالية قرار السلطة المحلية وفق إطار قانوني واضح يمنع التوظيف السياسي.
3. إعادة بناء قوات أمنية محلية غير مرتبطة بأطراف خارج المحافظة.
4. تشجيع حوار سعودي – إماراتي خاص بملف حضرموت لمنع الانزلاق نحو المواجهة.
5. تمكين القوى الحضرمية التقليدية في صياغة مستقبل المحافظـة ضمن أي تسوية يمنية شاملة، تقرر من خلال طاولة حوار يمنية خالصة دون أي تدخل خارجي، مدعموماً بدور بريطاني امريكي مباشر حازم، يحقق السلام العادل والشامل والمستدام.
خلاصة الخلاصة:
السعودية والإمارات لا تتصارعان في اليمن… بل تتصارعان باليمنيين على شكل النفوذ في بلادهم.
صراعٌ لم يعد خافياً، تُدار معاركه بالوكلاء، وتُدفع فواتيره من دم اليمنيين ومستقبلهم،
في حين تتحول الجغرافيا اليمنية إلى ساحة مفتوحة لإعادة رسم موازين القوة الإقليمية.
وما بين الطموح الإقليمي والفراغ الوطني،
يبقى اليمني هو الخاسر الأكبر…
والوطن هو الثمن الأغلى.