تعثر تشكيل القوة الدولية في غزة يفتح باب التساؤلات حول مستقبل الأمن في القطاع
صحيفة بحر العرب - متابعات:
يثير تعثر تشكيل القوة الدولية المقرر نشرها في قطاع غزة، ضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب، جدلًا متزايدًا بشأن ملامح المرحلة الأمنية المقبلة في القطاع، في ظل مساعٍ متوازية من إسرائيل وحركة حماس لتكريس واقع ميداني يخدم مصالح كل طرف.
ويرى محللون أن إسرائيل تسعى إلى تعطيل نشر القوة أو تقويض مهامها بهدف تمديد سيطرتها الأمنية على غزة، بينما تشاطرها حماس المخاوف، خشية أن تضطلع القوة الدولية بمهام تشمل نزع سلاحها، ما قد يضعها في مواجهة مباشرة معها.
تقاسم السيطرة
كما رجّح أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشأن الإسرائيلي، حسين الديك، أن فشل الجهود الدولية لإرسال قوة أممية إلى غزة قد يفضي إلى تثبيت واقع تقاسم النفوذ، بحيث تحتفظ إسرائيل بتمركزها شرق الخط الأصفر، بينما تواصل حركة حماس سيطرتها على المناطق الغربية من القطاع، دون تحقيق أي تقدم في ملفات نزع السلاح أو الانسحاب.
وقال الديك إن هذا السيناريو مرشح للاستمرار حتى عام 2028، ويحظى بقبول ضمني من الطرفين، إذ تتجنب إسرائيل التزامات أمنية إضافية، بينما ترفض حماس الدخول في مفاوضات حول تسليم سلاحها، مشيرًا إلى أن الضحية في كل الأحوال هو سكان القطاع العالقون في أوضاع إنسانية صعبة بلا إعمار أو حلول.
وأضاف أن هناك احتمالًا آخر بإجراء عمليات إعادة إعمار جزئي في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مع تشكيل مجموعات محلية تضطلع بالأمن الداخلي بغطاء مدني، بينما تبقى مناطق سيطرة حماس محاصرة ومجمدة سياسيًا.
وأكد الديك إن "الرهان على عناصر الأمن التابعين للسلطة الفلسطينية لإدارة الوضع الأمني في غزة دون حسم مسألة السلاح هو سيناريو ضعيف جدا"، موضحا أن "من يمتلك السلاح هو من يفرض أجندته ورؤيته، وفي ظل بقاء سلاح حماس، فإن أي دور للشرطة الفلسطينية سيواجه عقبات كبيرة".
وأشار إلى أن "الإدارة الأمريكية نجحت في فرض وقف إطلاق نار تقليدي، لكنه غير فعلي، حيث تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بشكل يومي، وهو ما ينسجم مع هدف إسرائيل في خلق بيئة طاردة للحياة داخل القطاع، وهي إلى حد كبير نجحت في ذلك".
وأوضح أن "أي لجنة تكنوقراط لا تملك السلطة الأمنية والمالية لن تكون قادرة على فرض الاستقرار في غزة"، مشددا على أن مصير هذه اللجنة سيتوقف على حسم مسألة السلاح، وإلا فستواجه تحديات معقدة تهدد استمرارها.
حرب أهلية
من جانبه، قال المحلل السياسي باسم أبو عطايا إن "فشل وصول القوات الدولية إلى قطاع غزة ليس مجرد تعثر طارئ، بل هو سيناريو تتعمد إسرائيل الوصول إليه".
وأضاف أن إسرائيل هي من وضعت الشروط المسبقة، واختارت من يشارك ومن لا يشارك، وافتعلت عقبات متتالية؛ لأنها غير معنية أصلاً بوجود قوات متعددة الجنسيات، ولا ببدء المرحلة الثانية من الاتفاق.
وأوضح أبو العطايا أنه "في حال فشلت مهمة هذه القوات، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ولن تكون هناك أي التزامات من قبل إسرائيل للانسحاب من قطاع غزة، كما لن يتم تحديد المناطق التي يمكن أن تعود للسيطرة الفلسطينية".
وأكد أن إسرائيل ستبقي يدها الطولى في تنفيذ الانتهاكات والتدخلات داخل القطاع، في ظل غياب إعلان فعلي عن إنهاء الحرب"، مشيرا إلى أن "إسرائيل لا تزال تتعامل مع الواقع وكأنها في حالة حرب مستمرة ولم توقفها فعلياً حتى الآن.
ونوه باسم أبو العطايا بأن المشكلة ليست في وجود قوة شرطة بديلة، بل في ما إذا كانت إسرائيل ستسمح أصلاً بوجود هذه القوة".
وتساءل "إذا لم تكن هناك قوة دولية تُشرف وتدرب وتراقب هذه الشرطة الفلسطينية، فمن سيديرها؟ ولمن ستكون تابعة؟.
وقال أن إسرائيل لا تريد وجود قوة دولية، ولا تريد للسلطة الفلسطينية أن يكون لها دور فعلي"، مشدداً على أن إسرائيل لن تسمح بوجود شرطة فلسطينية إلا إذا تم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وتابع عدم وجود قوة دولية يعني عمليا أننا لن ننتقل إلى المرحلة الثانية، ومن ثم، فإن الحديث عن تشكيل شرطة فلسطينة في هذه المرحلة يبقى غير واقعي تماما.
وأضاف إذا افترضنا وجود شرطة فلسطينية يكون دورها نزع سلاح حماس، فهذا يعني أننا ذاهبون إلى وصفة لحرب أهلية داخل غزة.
وتابع أن نزع السلاح بهذه الطريقة من الفلسطينيين أنفسهم، دون وجود قانون ناظم للعلاقة أو لخطة واضحة لإعادة الإعمار والمستقبل السياسي للقطاع، سيؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الشرطة ومن يحمل السلاح من الفصائل الفلسطينية في غزة، ومن ثم نحن أمام معركة مفتوحة.
وقال أن حماس أيضا مستفيدة من عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية حاليا؛ لأن بقاء السلاح في يدها يعني أن لا جهة تضغط عليها لتسليمه، وهي تصر على التمسك به، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي تعطل الانتقال للمرحلة التالية.