في مقابلة مطوّلة مع قناة "المستقلة"
السياسي اليمني مصطفى بن خالد يقدّم تشخيصاً معمّقاً لتعقيدات أزمة اليمن وتشابكات الإقليم
صحيفة بحر العرب - خاص
قدّم السياسي اليمني الشيخ مصطفى بن خالد، قراءة استراتيجية شاملة للتطورات المتسارعة في حضرموت وانعكاساتها على المشهد اليمني العام، واضعاً ما يجري ضمن سياق أوسع من التنافس الإقليمي، والفراغات السلطوية، وإدارة الصراع بالوكالة، محذراً في الوقت ذاته من مخاطر الانزلاق نحو مسارات تُعيد إنتاج دورات العنف والانقسام.
وأوضح بن خالد في مقابلة مطوّلة مع قناة "المستقلة"، أن ما شهده المشهد الحضرمي لا يمكن توصيفه كاستتباب للأمر الواقع لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكدا أن ما حدث هو تقدّم عسكري سريع في مساحة هائلة تعاني أصلاً من فراغ سلطوي، وليس تثبيتاً لسلطة مستدامة قائمة على الشرعية الاجتماعية أو التوافق القبلي.
وأشار إلى أن حضرموت تمرّ بمرحلة دقيقة يمكن توصيفها بأنها إدارة لموازين القوة أكثر من كونها موازين شرعية، لافتاً إلى أن أي نفوذ لا يستند إلى قبول اجتماعي وتوافق قبلي سيظل هشاً وقابلاً للاهتزاز.
وفي معرض تحليله للدورين الإقليميين، شدد بن خالد على أن ما يجري لا يعكس انسحاباً سعودياً من حضرموت، ولا تفويضاً مطلقاً للإمارات، بل تقسيم أدوار محسوباً، حيث تمسك الرياض بالمفاتيح الاستراتيجية العامة، بينما تتحرك أبوظبي في المساحات التكتيكية.
وبيّن أن السعودية تعتمد نهج إعادة هندسة التوازنات من الخلف، دون انخراط ميداني مباشر، طالما لم تُمسّ خطوطها الحمراء المرتبطة بأمنها القومي ومصالحها الكبرى.
وتطرّق الشيخ مصطفى بن خالد إلى دور رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، معتبراً ان الرجل لا يملك قرار وسيادة البلد منتهكة، موضحاً أن المجلس يعمل في إطار شرعية إجرائية تهدف إلى منع الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة، دون امتلاك القدرة على فرض مسار سياسي مستقل، في ظل تشابك نفوذ القوى المسلحة والمرتهنة لقوى خارجية، مع تعدد وتنوع مراكز القرار الإقليمي، والدولي.
وأشار بن خالد إلى أن حضرموت باتت تمثل محور ارتكاز جيوسياسي، لليمن شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وأن أي تغيير في توازناتها لا يبقى محلياً، بل ينعكس مباشرة على مأرب، من حيث الموارد واللوجستيات، وعلى تعز من حيث إعادة تشكيل الاصطفافات السياسية داخل معسكر الشرعية.
وفيما يتعلق بغياب موقف رسمي من صنعاء تجاه أحداث حضرموت، أوضح بن خالد أن هذا الصمت لا يعني الغياب، بل يعكس استراتيجية انتظار وترقّب تقوم على مراقبة التحولات، وبناء شبكات تواصل داخل الوادي، وانتظار لحظة تناقض أو إنهاك بين القوى المتنافسة، دون تقديم تصريحات مجانية يستفيد منها أي طرف.
وحذّر بن خالد من الضغوط المتزايدة التي تواجهها سلطنة عُمان، في ظل ما وصفه بتشكّل كماشة جيوسياسية على حدودها البرية، نتيجة تمدد النفوذ الإقليمي في شرق اليمن، وهو ما يشكّل تحدياً مباشراً لأمنها القومي وقرارها المستقل، ويحدّ من حيادها الاستراتيجي الذي شكّل ركيزة لسياستها الخارجية لعقود، واستفادت المنطقة من هذا الحياد، والوساطة لحل المشاكل الطارئة بين كافة الأطراف، الاقليمية والدولية.
وختم الشيخ مصطفى بن خالد مداخلته بسلسلة من الرسائل السياسية، أبرزها:
ـ دعوة لجميع الأطراف اليمنية إلى تحكيم صوت العقل، والابتعاد عن كل أشكال الارتهان والتبعية للخارج، والجلوس على طاولة مفاوضات يمنية خالصة لا يستثنى منها أحد تُقدَّم فيها مصلحة الشعب والوطن على المصالح الحزبية والفئوية. لأن الوصول إلى سلام عادل وشامل ومستدام يتطلّب شجاعة في تقديم تنازلات مؤلمة من أجل إنقاذ البلاد وفتح أفق جديد يليق بتضحيات اليمنيين ومستقبل أبنائهم في حياة حرة كريمة.
ـ دعوة القيادات الدكتاتورية للأحزاب التي تطاول عليها الزمن وتخشبت على كراسيها ترك المجال للشباب من خلال تفعيل الأنظمة الداخلية والمؤتمرات الحزبية.
ـ دعوة جماعة أنصار الله (الحوثيين) للانتقال إلى العمل السياسي المنظم عبر حزب مدني ضمن التعددية الديمقراطية، كمدخل لإنهاء الاصطفافات الطائفية، وترسيخ القيم الديمقراطية، واحترام القانون والدستور.
ـ دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى عدم الانسلاخ عن اليمن الكبير، واستلهام دروس التاريخ الجنوبي، الذي قاد فيه الانقسام إلى موجات دامية ابتداء ًمن انسلاخ الجبة القومية من جبهة تحرير الجنوب اليمني وصولاً إلى الطامة الكبرى أحداث 13 يناير 1986 المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها الألاف المؤلفة من أروح اليمنيين الطاهرة.
-التأكيد على الالتزام بمخرجات الحوار الوطني، التي نصّت بوضوح على الدولة الاتحادية، وعلى حق كل منطقة في إدارة شؤونها كاملة على المستوى المحلي، باعتباره حلاً توافقياً يحقق توازناً عقلانياً بين الحفاظ على الوحدة من جهة، وضمان الإدارة الذاتية الكاملة والعدالة في توزيع السلطة والثروة من جهة أخرى.
ووجه الشيخ مصطفى دعوة للأشقاء في السعودية، دعا فيها إلى ضرورة إغلاق الخلية الاستخباراتية والتي تسمى "اللجنة الخاصة" التي ساهمت بصورة سلبية في صناعة مراكز القوى وزعزعة الاستقرار في اليمن وإنشاء بدلاً منها صندوق للتنمية على غرار الصندوق الكويتي، وهذا أجدى لتقوية روابط الجوار وصلة القربى.
كما دعا الأشقاء في الإمارات والسعودية إلى ترسيخ العمل بروح الشراكة والمسؤولية الجماعية من أجل دعم الاستقرار والسلام والوئام بين اليمنيين، بما ينسجم مع مصالحهم الاستراتيجية ومصالح الإقليم والعالم، وعدم تصدير المذاهب الدينية المتشددة التي تفخخ مستقبل البلد وتؤسس لصراعات لا تنتهي في بلادنا، إنه ليس عدلاً أن تحاربوا التشدد في بلدانكم وفي نفس الوقت تصدره إلى أرضنا.
وأكد أن استمرار الصراع في اليمن لا يهدد الداخل وحده، بل يفتح بوابات الفوضى والتطرّف ويُقوّض أمن المنطقة ويُعرّض المصالح الدولية لمخاطر جسيمة.
وفي ذات السياق، قدم بن خالد دعوة بريطانيا، بصفتها حاملة القلم في مجلس الأمن، إلى لعب دور أكثر فاعلية في الدفع نحو سلام عادل وشامل، وبناء شراكة حقيقية ومستدامة في مختلف المجالات، بما يخدم استقرار اليمن ويعزّز الأمن الإقليمي والدولي.
فيما دعا حكومة جمهورية مصر العربية الشقيقة، بما لها من أيادٍ بيضاء ومسيرة راسخة في دعم اليمن، وما يربط البلدين من وشائج التاريخ والحضارة وأواصر القربى، إلى الاضطلاع بدورها العربي المعهود في الإسهام بفعالية في دعم استقرار اليمن وتعزيز مسارات السلام والتنمية.. مؤكدًا أن استقرار اليمن وسلامة أراضيه يمثلان ركيزةً أساسية في منظومة الأمن القومي المصري والعربي، وهي حقيقة أدركها مبكراً الزعيم جمال عبد الناصر، حين ربط بين أمن مصر وعمقها العربي، وفي مقدمته اليمن، بوصفه أحد مفاتيح التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
وفي السياق نفسه، دعا الشيخ مصطفى بن خالد حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى إجراء مراجعة سياسية شجاعة لمساره خلال السنوات الماضية، والانتقال من منطق الاصطفاف الإيديولوجي الحاد والاستحواذ إلى منطق الشراكة الوطنية الجامعة.
وأكد أن المرحلة الراهنة تتطلب من الإصلاح التحرر من حسابات التنظيم العابر للحدود، والانخراط بوضوح في مشروع وطني يمني خالص، يقوم على قبول التعدد، واحترام الدولة، والفصل بين الدعوي والسياسي، والاتجاه نحو البرامج، بما يسهم في إعادة بناء الثقة مع بقية المكونات الوطنية.
وشدد بن خالد على أن أي دور مستقبلي فاعل للإصلاح يجب أن يُقاس بقدرته على الإسهام في الاستقرار لا إدارة الصراع، وعلى تقديم تنازلات سياسية مسؤولة تفتح الطريق أمام تسوية عادلة، لا تعيد إنتاج الانقسامات الأيديولوجية التي أضعفت الدولة ومجتمعها.
وخلص بن خالد إلى أن اليمن يقف أمام مفترق طرق حاسم: إما إدارة الخلافات بعقلانية سياسية تُفضي إلى سلام مستدام، أو الاستمرار في تدوير الصراع بما يهدد الداخل اليمني ويقوّض أمن الإقليم برمته، ويهدد مصالح العالم، مؤكداً أن اليمن لا يحتاج إلى مزيد من السلاح، بقدر ما يحتاج إلى شجاعة وامتلاك القرار السياسي.